الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
وهو من شواهد س: الرجز بنات ألببي على أنه إذا سمي بألبب يبقى الفك ولا يدغم، وهو بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الموحدة الأولى. وهذا قطعةٌ من بيت، وهو: الرجز تأبى له ذاك بنات ألببي قال صاحب الصحاح: وبنات ألبب: عروقٌ في القلب تكون فيها الرقة. وقيل لأعرابية تعاتب ابناً لها: ما لك لا تدعين عليه؟ قالت: تأبى له ذاك بنات ألببي والذي أورده سيبويه: الرجز قد علمت ذاك بنات ألببه قال: وإذا سميت رجلاً بألبب، من قولك: قد علمت ذاك بنات ألببه تركته على حاله، لأن هذا اسم جاء على الأصل، كما قالوا: رجاء بن حيوة، وكما قالوا: ضيون. فجاؤوا به على الأصل. وربما جاءت العرب بالشيء على الأصل. ومجرى بابه في الكلام على غير ذلك. انتهى كلام سيبويه. قال صاحب الصحاح: قال المبرد في قول الشاعر: قد علمت ذاك بنات ألببه يريد: بنات أعقل هذا الحي. فإن جمعت ألبباً، قلت: ألابب، والتصغير: أليب، وهو أولى من قول أعلها. انتهى. وقال ياقوت في حاشية الصحاح: ويروى: بنات ألببه، بفتح الباء الأولى. والله أعلم. ولم يورد أبو جعفر النحاس ولا الأعلم الشنتمري هذا البيت في شواهد سيبويه، وكأنهما لم يتنبها لكونه شعراً. والله أعلم. وأنشد بعده: الطويل يعصرن السليط أقاربه على أنه لو سمي بضربن على لغة أكلوني البراغيث، بجعل النون حرفاً دالاًعلى الجمع المؤنث كما في يعصرن السليط أقاربه، فإن النون فيه على قولٍ حرفٌ علامةٌ لجمع المؤنث. وأقاربه هو الفاعل، والسليط مفعوله، وهو الزيت. وهذا المقدار قطعةٌ من بيت للفرزدق، تقدم شرحه في الشاهد السادس والسبعين بعد الثلثمائة. أنشد فيه، حتى استشاروا بي إحدى الإحد على أن إحدى يستعمل في المدح، ونفي المثل. فمعنى هو إحدى الإحد: داهيةٌ هي إحدى الإحد. قال الدماميني في شرح التسهيل: إن قلت: كيف حمل إحدى الإحد مع أنه للمؤنث على المذكر؟ قلت: لأن المراد به داهيةٌ واحدة من الدواهي؛ ومثله يحمل على المذكر، فتقول: هو داهيةٌ من الدواهي. وأحد الأحدين المراد به إحدى الدواهي، ولكنهم يجمعون ما يستعظمونه جمع العاقل وإن لم يكن عاقلاً. فمن قال: هو أحد الأحدين، فقد راعى مطابقة لفظ هو فلذلك ذكر اللفظين جميعاً. ومن قال إحدى الإحد راعى المعنى، فلذلك أتى بإحدى، لأن ألفها إما للتأنيث، وللإلحاق، ولكنها تشبه في اللفظ ألف التأنيث، فأضافها إلى جمع المؤنث وهو الإحد بكسر الألف وفتح الحاء. وفيه لغة أخرى وهو ضم الألف وفتح الحاء. والمشهور في هذا الجمع أعني فعل بضم الفاء، أن يكون مفردة فعلةً مؤنثاً بالتاء، كغرف جمع غرفة، لكنه جمع به المؤنث بالألف كأحدى، حملاً لها على أختها، ويقدر له مفرد مؤنث بها، كما حققه السهيلي في الروض الأنف في جمع ذكرى وذكر. وكما، إحدى الأحد، معناه: إحدى الدواهي، كذلك معنى أحد الأحدين لا يختص استعماله بالعقلاء، لكنهم يجمعون ما يستعظمونه جمع العقلاء. قال صاحب اللباب: ما لا يعقل يجمع جمع المذكر في أسماء الدواهي، تنزيلاً له منزلة العقلاء في شدة النكاية. والداهية: الأمر العظيم. ودواهي الدهر: ما يصيب الناس من عظيم نوبه. والدهي، بسكون الهاء: النكر وجودة الرأي. يقال: رجلٌ داهية بين الدهي والدهاء بالمد. وقد يضاف إحدى إلى ضمير الإحد. قال أبو زيد: يقال: لا يقوم لهذا الأمر إلا ابن إحداها، أي: الكريم من الرجال. وهذا تفسير بالمعنى. وزعم أبو حيان أن إحدى الإحد خاصٌّ بالمؤنث. قال: كما قالوا: هو أحد الأحدين، وهي إحدى الإحد، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل، بحيث لا نظير له. قال: استثاروا بي إحدى الإحد انتهى. وهذا البيت الذي أورده يرد عليه. ويقال أيضاً: هو واحد الواحدين، نقله صاحب القاموس. ويقال أيضاً: هو واحد الأحدين، وواحد الآحاد، حكاهما صاحب العباب. ولا تختص إضافة إحدى، وواحد، وأحدٍ، إلى الجمع من لفظه. قال صاحب الكشاف، عند قوله تعالى: {إنها لإحدى الكبر}، أي: لإحدى البلايا، والدواهي: الكبر. ومعنى كونها إحداهن أنها منهن واحدةٌ في العظم لا نظير لها، كما تقول: هي إحدى النساء. وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {ليكونن أهدى من إحدى الأمم}: من الأمة التي يقال لها: إحدى الأمم، تفضيلاً لها على غيرها في الهدى والاستقامة. قال صاحب الكشف: أقول: دلالتها على تفضيلها على سائر الأمم ليس بالواضح، بخلاف واحد القوم ونحوه، ثم وجهها بأنه على أسلوب: الكامل ويرتبط بعض النفوس حمامها انتهى. قال شيخنا الخفاجي: يريد أن واحداً بمعنى منفرد، ويلزم من انفراده امتيازه وعظمته، بخلاف إحدى فإنه اسمٌ لجزء الشيء، فلا دلالة له على التعظيم، إلا أن يقال إن البعض يدل عليه كما في البيت، لأن فيه إبهاماً، والإبهام يستعمل للتعظيم. ولك أن تقول: لا حاجة إلى هذا، لأن الزمخشري أشار إلى أن إحدى هنا بمعنى واحدة. انتهى. ورد الدماميني على صاحب الكشاف، بأن الذي ثبت استعماله للمدح أحد، وإحدى مضافين إلى جمع من لفظهما، واستعملوا ذلك أيضاً في المضاف إلى الوصف، نحو: هو أحد العلماء. أما في أسماء الأجناس مثل الأمم ففيه نظر. انتهى. قال شيخنا: لا حاجة إلى النقل، لأنه إن كان استفادته من أحد بمعنى واحد ومنفرد فهو معنى حقيقيٌّ لا معنى لنخصصه. وإن كان لأن إبهام البعض يفيده فهو مجازيٌّ، فهو لا يقتصر فيه على السماع. وفي الحماسة: الكامل يا واحد العرب الذي ما إن لهم *** من مذهبٍ عنه ولا من مقصر وقال زهير: الطويل إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم انتهى. وقد سمع في إحدى قطعها عن الإضافة، سئل ابن عباس رضي الله عنه، عن رجل تتابع عليه رمضانان، فسكت، ثم سأله آخر، فقال: إحدى من سبع، يصوم شهرين ويطعم . قال ابن الأثير في النهاية: يريد به إحدى سني يوسف عليه السلام المجدبة. فشبه حاله بها في الشدة. ومن الليالي السبع التي أرسل الله فيها العذاب على عاد. انتهى. وهذا يرد على ابن مالك في قوله في التسهيل: ولا يستعمل إحدى في غير تنييف دون إضافة فإن إحدى قد استعملت بلا إضافة، إلا أن يزعم أن الأصل أنها إحدى الإحد من سبع، فحذف المضاف إليه. والبيتان من رجز للمرار بن سعيد الفقعسي، أورد بعضه الأصبهاني في الأغاني، قال: كان المرار قصيراً مفرط القصر، ضئيل الجسم. وفي ذلك يقول: عدوني الثعلب عند العدد *** حتى استثاروا بي إحدى الإحد ليثاً هزبراً ذا سلاحٍ معتد *** يرمي بطرفٍ كالحريق الموقد يقول: حسبوني من عداد الثعالب عند لقاء الأبطال، أروغ عنهم ولا أكافحهم. وحتى بمعنى إلى. واستثاروا: هيجوا، من ثار إلى الشر، إذا نهض، واستثاره: أنهضه. وثارت الفتنة: هاجت. واستثارها: هيجها. والباء من بي تجريدية. والتجريد كما في الكشف هو تجريد المعنى المراد عمن قام به، تصويراً له بصورة المستقل، مع إثبات ملابسة بينه وبين القائم به بأداة وسياق. والأداة هنا الباء، كما يقال: لقيت بك أسداً، واسأل به خبيراً . قال صاحب الكشف: ولعل جعلها إلصاقية أوجه، أي: كائناً ملصقاً بك. والمراد التصوير المذكور، لأن الإلصاق هو الأصل، فقد سلم عن الإضمار وأفاد المبالغة الزائدة. انتهى. قال شيخنا الخفاجي: وفيه أن السبب مبد ومنشأٌ للمسبب، كما أن المنتزع مع المنتزع منه كذلك، فهو أقرب إلى التجريد، ومجرد الإلصاق لا يفيده. انتهى. وإحدى: منصوب بفتحة مقدرة، مفعول للفعل قبله، أي: إحدى الدواهي. قال أبو الهيثم: إحدى الإحد ونحوه أبلغ المدح. وقال صاحب العباب، وتبعه صاحب القاموس: يقال في الأمر المتفاقم: إحدى الإحد، أي: الأمر المشتد، الصعب؛ من تفاقم الأمر، إذا عظم. وفي أمثال الميداني، قال ابن الأعرابي: هذا أبلغ المدح، كما يقال: واحدٌ لا نظير له. التأنيث للمبالغة بمعنى الداهية. وأنشد هذا البيت، وقال: يضرب لمن لا نهاية لدهائه، ولا مثل له في نكرائه. ومثله لرجل من غطفان: الرجز إنكم لا تنتهوا عن الحسد *** حتى يدليكم إلى إحدى الإحد وقوله: ليثاً هزبراً إلخ، هذا تفسيرٌ وعطف بيان لإحدى الإحد. والليث: الأسد، وكذلك الهزبر. وذا سلاح: صفة لقوله ليثاً. وكذلك قوله: معتدي، إلا أنه وقف على لغة ربيعة في تسكين المنصوب. وهو من الاعتداء. قال في الصحاح: والعدوان: الظلم الصراح؛ وقد عدا عليه، وتعدى عليه واعتدى، كله بمعنًى. وقوله: يرمي إلخ، هو صفة أخرى لقوله: ليثاً. والطرف: نظر العين. والحريق: المحرق. والموقد، بفتح القاف. أراد أن عينه في غضبه حمراء كالنار الموقدة الملتهبة. والمرار بن سعيد: شاعرٌ إسلامي في الدولة المروانية، وكان لصاً من لصوص العرب. وتقدمت ترجمته في الشاهد التاسع والتسعين بعد المائتين. وهو بفتح الميم وتشديد الراء الأولى. تتمة قد ذكر الشارح المحقق بعد هذا البيت إحدى وعشرين كلمة من الكلمات التي تختص بالنفي، وهي في أكثر النسخ محرفة غير منتفع بها، فرأينا من الإحسان ضبطها وشرحها، ابتغاءً لوجه الله عز وجل، وهي: الأولى: عريب، بفتح العين المهملة وكسر الراء، قال ابن السيد: أي: ما بها معرب يبين كلامه ويعربه. وقد قالوا: ما بها معربٌ، في هذا المعنى. وكذا قال صاحب القاموس. الثانية: ديار، أصله ديوار، فيعال من دار يدور فأدغم. قال ابن السيد في شرح إصلاح المنطق: ديار من الدار، إما أن يكون فعلاً من ذلك، وكان حكمه دوار، لأن داراً من الواو، بدليل قوله في تحقيرها: دويرةٌ. قال يعقوب في إصلاح المنطق: وفي جمعها أدؤر قلبت واوه همزةً لانضمامها كأجوهٍ في وجوه. وإما أن يكون فيعالاً أصلها ديوار، فأدغم. وقد غلط يعقوب في ديار لأن ذا الرمة استعمله في الواجب، فقال: الطويل إلى كل ديارٍ تعرفن شخصه *** من القفر حتى تقشعر ذوائبه الثالثة: داري منسوب إلى الدار. والداري أيضاً: رب النعم، سمي بذلك، لأنه مقيمٌ في داره فنسب إليها. وإذا أرادوا المبالغة في لزوم الرجل الدار، قالوا: دارية، والهاء للمبالغة. والداري: العطار أيضاً، وهو منسوبٌ إلى دارين: فرضة بالبحرين، وفيها سوقٌ، وكان يحمل المسك من الهند إليها. والداري أيضاً: نوتي السفينة وملاحها، منسوب إلى دارين أيضاً. وهذه الثلاثة لا تلتزم النفي. وأما تميم الداري الصحابي فمنسوب إلى الدار، أحد آبائه. الرابعة: دوري، قال يعقوب في إصلاح المنطق: ما بها دوريٌّ غير مهموز. قال ابن السيد: هو منسوبٌ، فكان قياسه داريٌّ، لأن دوراً جمع دار، وإذا نسب إلى الجمع فالحكم أن يرد ذلك الجمع إلى الواحد. وأما أبو عمر الدوري فليس منسوباً إلى الدور التي هي جمع دار، إنما هو منسوبٌ إلى موضعٍ بالعراق، يقال له: دور. انتهى. وزاد بعضهم: دؤريٌّ بهمز الواو، قال القالي في أماليه: قال اللحياني: دؤري بالهمز غلط عندنا. وزاد صاحب القاموس ما بها ديور، وهو فيعول. وهذه الخمسة من مادة واحدة. الخامسة: طوريٌّ. قال ابن السيد: هو منسوبٌ إلى الطور، وهو الجبل، أي: ما بها إنسيٌّ ولا وحشيٌّ. وقال القالي: هو منسوب إلى الطورة، وهي في بعض اللغات: الطيرة. انتهى. نقل صاحب العباب عن ابن دريد أن الطورة، بكسر الطاء، في بعض اللغات مثل الطيرة، بكسرها وفتح الياء، أي: التطير. وكونه منسوباً إلى هذا بعيد. والصواب الأول. ومثله طورانيٌّ، بزيادة الألف والنون. قال صاحب العباب: الطوري: الوحشي والغريب. قال ذو الرمة: الطويل أعاريب طوريون من كل قريةٍ *** يحيدون عنها من حذار المقادر وقال أبو عمرو: وقوله: طوريون، واحدهم طوري وطوراني كذلك، وهما الوحشي من الناس والطير. يقال: حمام طوريٌّ وطوراني. ويقال: ما بها طوريٌّ وطورانيٌّ، أي: أحد. قالالعجاج: الرجز وبلدةٍ ليس بها طوري انتهى. وعلى هذا لا يلزم طوريٌّ النفي. السادسة: طاويٌّ بألف وواو، نقله القالي عن اللحياني. وقال: ما بها طاويٌّ غير مهموز. وضبطها صاحب القاموس بضم الطاء وفتح الهمزة وهي عين الفعل، وكسر الواو وهي لام الفعل، وياء مشددة. ولم أر من ذكر هذه الكلمة في عداد نظائرها، كذا كابن السكيت، فإنه عقد لها فصلاً في أواخر إصلاح المنطق. وكالقالي في أماليه فإنه ذكر جملةً كثيرة منها. وذكر صاحب القاموس فيها لغتين أخريين، ذكرهما القالي ولم يذكر الأولى: إحداهما: طوئيٌّ بتأخير الهمزة عن الواو مع ضم الطاء وسكون الواو. وعلى هذه اقتصر صاحب الصحاح. والثانية: طؤويٌّ، بضم الطاء وسكون الهمزة وكسر الواو. ولم يذكر ابن السكيت غير هذه. قال ابن السيد في شرحه: وطؤويٌّ من طاء يطوء، مثل طاع يطوع، إذا ذهب في الأرض. غير أنه مقلوب، وكان قياسه طوئيٌّ على مثل طوعي، وعليه قولهم: طوئي. انتهى. فظهر بهذا التحقيق أن طاوياً المذكور أولاً في كلام صاحب القاموس مقلوب أيضاً وأصله طوئي، فتكون الثلاثة من مادة واحدة، وهي طاء وواو وهمزة. ولو كانت الكلمة معتلة كما زعم صاحب القاموس تبعاً لصاحب الصحاح كيف يصح إيراد طوئي بتأخير الهمزة فيها. وقد ذكرت هذه الكلمة في التسهيل كما في الشرح، فقال الدماميني في شرحه: هي بطاء مهملة مفتوحة فهمزة ساكنة فواو فياء نسب. كذا هو مضبوطٌ في بعض النسخ. وقد قيل: إنه من الطي، أي: ما بها أحد يطوي. قال ابن هشام: هذا لا يصح لاختلاف المادة، إلا إن قيل: إن الهمزة مثلها في العألم. قلت: لا يصح؛ لأن الطي مادته طاء فواو فياء، بدليل طويت. ووقعت في بعض النسخ لفظة طأويٌّ مضبوطة بفتح الهمزة. ولا يتأتى أن يكون من الطي أصلاً. وقد يقال: إنه من وطئ، فقلبت فاء الكلمة إلى موضع اللام. انتهى كلام الدماميني. والتحقيق ما نقلناه عن ابن السيد، وبه تلتئم لغاتها، ويزول الإشكال. هذا وفي غالب نسخ الشرح: طاري بالراء. وقد أثبته ابن الصائغ على هامش التسهيل، وقال: هو الغريب الذي طرأ على البلاد. وعليه تكون الكلمة مهموزة اللام، أبدلت ياءً لانكسار ما قبلها وتطرفها. لكن يرد أن هذه الكلمة غير لازمة للنفي. السابعة: أرم، أوردها ثعلب في الفصيح، قال شراحه: بفتح الهمزة وكسر الراء. وأما الإرم بكسر الهمزة وفتح الراء فهو العلم، وهو حجارةٌ يجعل بعضها على بعض في المفازة والطريق يهتدى بها. كذا قال شارحه الهروي. الثامنة: أريم، بزيادة الياء على ما قبلها. وكلاهما وصفٌ، ويقال أيضاً: آرم على فاعل. قال ابن السيد: أرم وآرم على فعل وفاعل، معناهما آكل. يقال: أرم يأرم أرماً من باب ضرب، إذا أكل. والأرم: الأضراس، جمع آرم، لأنها تأرمٍ، أي: تأكل. ومنه قيل: فلانٌ يحرق عليك الأرم، أي: يصرف بأنيابه عليك غيظاً، يعني يصوت. قال الشاعر: الرجز نبئت أحماء سليمى أنم *** ظلوا غضاباً يحرقون الأرما ويزاد في آخر الأول ياء النسبة فيقال: أرميٌّ، نقله القالي عن ابن الأعرابي، وصاحب العباب. وضبطه صاحب القاموس بضبطين لم أجد واحداً منهما لأحد. قال: إرميٌّ كعنبي ويحرك، ويقال: أيرميٌّ أيضاً، نقله القالي عن ابن الأعرابي أيضاً، وصاحب العباب عن أبي خيرة. وهو في الحقيقة مقلوب أريمي. وزاد صاحب القاموس: كسر أوله. التاسعة: كتيع بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية. قال ابن السيد: هو من قولك: أجمع أكتع. وأنشد القالي عن ابن الأنباري: الوافر أجد الحي فاحتملوا سراع *** فما بالدار إذ ظعنوا كتيع وزاد صاحب العباب عن ابن عباد كتاع كغراب. وقد جاء الكتيع بمعنى المفرد من الناس، فالأولى أن يكون منه. العاشرة: كراب، بفتح الكاف وتشديد الراء، وهو فعال من الكراب، يقال: كربت الأرض كراباً، إذا قلبتها للحرث. ولم يذكر هذه الكلمة ابن السكيت. الحادية عشرة: دعويٌّ، بضم الدال وسكون العين وكسر الواو وياء النسبة. قال ابن السكيت: هو من دعوت. ووقع شارحه دوعيٌّ، وقال: هو من الدعاء، نسب على غير قياس، وكان قياسه دعوي ودعائي. انتهى، ولم أره لغيره. الثانية عشرة: شفر، بفتح الشين وضمها مع سكون الفاء فيهما، حكاهما القالي عن اللحياني. قال ابن السيد: ما بها شفر، أي: ما بها قليل ولا كثير، من قولك: شفر بالتشديد، إذا قل. وزاد صاحب العباب عن الفراء: شفرة بالفتح والهاء، وأنشد عن شمر: الطويل رأت إخوتي بعد الجميع تفرقو *** فلم يبق إلا واحداً منهم شفر وقول الشارح المحقق: وقد لا يصحب نفياً ، أي: يقع في الإيجاب. وأورد له صاحب العباب قول ذي الرمة: الطويل تمر لنا الأيام ما لمحت لن *** بصيرة عينٍ من سوانا إلى شفر وقال: أي: تمر بنا. ويروى: إلى سفر، يريد: المسافرين. الثالثة عشرة: دبيٌّ، بضم الدال وكسر الموحدة المشددة بعدها ياء نسبة. في العباب: قال الكسائي: هو من دببت، أي: ليس فيها من يدب. وقال ابن السيد: هذا على غير القياس، والقياس دبيبيٌّ، لأنه منسوب إلى الدبيب. الرابعة عشرة: دبيج، بكسر الدال وكسر الموحدة المشددة. قال ابن السيد: هو من الدبج، وهو النقش والتزيين. ورواه بعضهم: دبيح بالحاء المهملة، ولا وجه له إلا أن يكون فعيلاً من قولهم: دبح الرجل بالتشديد، إذا طأطأ رأسه. انتهى. وقال صاحب العباب: شك أبو عبيدٍ في الجيم والحاء، وسأل عنه بالبادية جماعةً من الأعراب، فقالوا: ما بالدار دبيٌّ، وما زادوا على ذلك. ووجد بخط أبي موسى الحامض: ما بالدار دبيحٌ، كوقع بالجيم، عن ثعلب. وقال ابن فارس: الحاء في هذه الكلمة أقيس من الجيم. قال: وإن كان بالجيم كما قيل: فليس من هذا، ولعله يكون من دبي من الدبيب، ثم حولت ياء النسبة جيماً على لغة من يفعل ذلك. انتهى. وقال القالي: أنشد ابن الأعرابي: الرجز هل تعرف المنزل من ذات الهوج *** ليس بها من الأنيس دبيج الخامسة عشرة: وابرٌ، بالواو وكسر الموحدة. قال ابن السيد: يجوز أن يكون معناه ذا وبرٍِ، أي: مالك إبل. ويجوز أن يكون معناه مخيم بخباء من وبر. وأنشد القالي عن ابن الأعرابي: الطويل يميناً أرى من آل زبان وابر *** فيفلت مني دون منقطع الحبل والفعل منفيٌّ في جواب القسم، أي: لا أرى. وأنشد صاحب العباب أيضاً: الطويل فأبت إلى الحي الذين وراءهم *** جريضاً ولم يفلت من الجيش وابر وفي غالب نسخ الشرح: آبر بدل وابر، وهو اسم فاعل من أبرت النخلة، إذا أصلحتها باللقح. ولم أر من ذكرها في هذه الكلمات، مع أنها لا تلزم النفي. ووقع في التسهيل أيضاً آبر، قال الدماميني: هو تحريف من النساح، فإن آبراً يستعمل في الإيجاب، والصواب: وابر، بالواو. السادسة عشرة: آبز، قال الشارح: هو بالزاي، وهو اسم فاعل من أبز الظبي يأبز أبزاً وأبوزاً: وثب وتطلق في عدوه. والآبز أيضاً: الإنسان الذي يستريح في عدوه ثم يمضي. ولم أرها أيضاً في هذه الألفاظ مع أنها لا تلزم النفي. وإن قلنا إنها وابز، أولها واو، فليست مادة الواو والباء والزاي موجودة. ولا أشك أن هذه الكلمة تصحفت على الشارح، إما من آبن بالنون ومد الهمزة، وهي في التسهيل، ونقلها القالي عن ابن الأعرابي. قال الدماميني: آبن على زنة اسم الفاعل من أبنه، إذا عابه، أي: ما فيها من يعيب، وذلك جنس الإنسان، وإما من وابن، نقل القالي عن اللحياني: ما بها وابنٌ بالواو والموحدة. قال صاحب القاموس: وما في الدار وابنٌ بالموحدة كصاحب، أي: أحد، مأخوذ من الوبنة، وهي الجوعة. السابعة عشرة: تأمور. قال ابن السيد: حكى أبو زيد: ما بها تأمور، أي: أحد، بالهمز. ويقال أيضاً: ما في الركية تامور، يعني الماء. وكذا نقل القالي عن أبي زيد. والتامور، بلا همز: الدم. ويقال: دم النفس. قال أوس بن حجر يحضض عمرو بن هند على بني حنيفة في قتل المنذر بن ماء السماء: الكامل أنبئت أن بني سحيمٍ أدخلو *** أبياتهم تامور نفس المنذر قال الأصمعي: يعني مهجة نفسه. والتامور: الخمر، والزعفران أيضاً. الثامنة عشرة: تؤمور، بضم التاء والهمز، نقل القالي عن اللحياني: ما بها تامور ولا تؤمور بالهمز، أي: أحد. التاسعة عشرة: تومور، بضم التاء بلا همز. العشرون: تومريٌّ، بضم التاء والميم. قال ابن السكيت: وما بها تومري منسوب إلى تامور. وبلادٌ خلاءٌ: ليس بها تومري. ويقال للمرأة: ما رأيت تومرياً أحسن منها، للمرأة الجميلة، أي: لم أر خلقاً. وما رأيت تومرياً أحسن منه. انتهى. قال شارحه ابن السيد: تومري منسوب إلى التامور، وهو دم القلب، نسبة على غير قياس. وهذه الكلمات الأربعة من مادة التمر. الحادية والعشرون: نميٌّ، بضم النون وتشديد الميم وتشديد الياء. قال صاحب القاموس: وما بها نميٌّ كقميٍّ: أحد. والنمي أيضاً: الخيلنة، والعيب، والطبيعة، وجوهر الإنسان وأصله. وقال القالي: هو من نممت، وهو منسوبٌ على خلاف القياس إلى النمة بالكسر، وهو القملة. فالنمي معناه: ذو قمل. وهذه الكلمة ليست موجودة في الإصلاح، وهي مذكورة في التسهيل. هذا ما ذكره الشارح المحقق. وهو في هذا تابعٌ لابن مالك. وبقيت كلماتٌ أخر أوردها ابن السكيت، هي: صافر. قال شارحه: هو اسم فاعل من صفر الرجل يصفر صفيراً، إذا صوت بنفسه. ونافخ ضرمة، بفتح الضاد والراء، قال شارحه: أي: نافخ حطبة فيها نار. وصوات، وهو فعال من الصوت. ولاعي قروٍ، بالعين المهملة وفتح القاف وسكون الراء بعدها واو. قال شارحه: أما لاعي فلاعقٌ حريص، يقال: رجلٌ لعوٌ ولعاً، وكلبة لعوة كذلك. والقرو: ميلغة الكلب، فكأن معناه، ما بها كلبٌ ولا ذئب. وقال صاحب الصحاح: يقال: ما بها لاعي قروٍ، أي: ما بها لاعي قروٍ، أي: ما بها من يلحس عساً، معناه ما بها أحد . ومنه: ما بها ناخر ، قال شارحه: ناخر: اسم فاعل من نخر ينخر، إذا ردد نفسه في خيشومه. ومنها: ما بها نابح، قال شارحه: يعني كلباً. يقال: نبح الكلب ينبح، بكسر الباء وفتحها، فهو نابح ونباح. ومنها: أنيسٌ. قال شارحه: هو فعيل من أنس بالشيء. غير أنه لا يستعمل إلا في الجحد. قال: الرجز وبلدةٍ ليس بها أنيس ويرد عليه قوله، كما يأتي قريباً: الوافر أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ *** أصاب البكر أم حدث الليالي فهذه ستة أخرى. وأورد أيضاً: ما بها داعٍ ولا مجيب. ولا يخفى أن هذا لا يختص بالنفي. ولم يزد شارحه على قوله: داعٍ من الدعاء، ومجيب من الإجابة. وأورد: ما بها راغٍ ولا ثاغٍ. قال شارحه: قد تستعملان في غير النفي؛ لأن الثغاء صوت المعز، والرغاء صوت الإبل. ومعلوم أنهما قد يستعملان في الإيجاب والنفي. وهذه كلمات أخر من أمالي القالي: ما بها دويٌّ منسوب إلى الدوية. وقال صاحب الصحاح: ما بها دويٌّ، أي: أحد ممن يسكن الدو، وهو أرض من أرض العرب. وربما قالوا: داوية، قلبوا الواو الأولى الساكنة ألفاً لانفتاح ما قبلها. ولا يقاس عليه. ومنها: ما بها عينٌ. وزاد أبو عبيد عن الفراء: ما بها عائن. وزاد اللحياني: ما بها عائنة. قال صاحب الصحاح: عائنة بني فلان: أموالهم ورعيانهم. وما بها عائن، وكذلك ما بها عينٌ، أي: أحد. وبلدٌ قليل العين، أي: قليل الناس. انتهى. فعلم أن عيناً وعائنة لا يلزمان النفي. وكذلك قال ابن السيد في شرح الإصلاح: حكى عن الفراء: ما بها عائن وما بها عين. فأما عائن فلا يستعمل في الإيجاب، وأما العين فهم أهل الدار، فقد يستعمل في الإيجاب. قال الراجز: الرجز تشرب ما في وطبها قبل العين ومنها: ما بها طارف، أي: من يطرف بعينه، أي: ينظر بها. فهذه ثلاث كلمات، فالمجموع: تسع كلمات. وأنشد بعده: لها ثنايا أربعٌ حسان *** وأربعٌ فثغرها ثمان على أنه قد تحذف الياء من ثماني، ويجعل الإعراب على النون. واستشهد به صاحب الكشاف لقراءة من قر: وله الجوار المنشآت ، بحذف الياء من الجوار ورفع الراء كما في ثمان. وأنكر الحريري في درة الغواص حذف هذه الياء. وقال ابن بري فيما كتب عليه، الكوفيون يجيزون حذف هذه الياء في الشعر. وأنشد عليه ثعلبٌ، قوله: لها ثنايا أربعٌ حسان *** وأربعٌ فثغرها ثمان والصحيح أنه غير مختص بالشعر، بدليل الحديث الذي أورده الشارح المحقق، وهو في صحيح مسلم، في باب الكسوف، عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعاتٍ في أربع سجدات ، قال شارحه النووي: قوله ثمان ركعاتٍ في أربع سجدات، أي: ركع ثمان مرات، كل أربع في ركعة، وسجد سجدتين في كل ركعة. وقد صرح بهذا في الكتاب في الرواية الثانية. ولا أعرف صاحب هذا الرجز. وأنشد المعري في شرح ديوان البحتري قبل هذين البيتين: إن كريا أمةٌ ميسان وكرياً، بضم الكاف وفتح الراء وتشديد المثناة التحتية: اسم أمة. والأمة: خلاف الحرة. وميسان، بكسر الميم: فيعال من الميس، وهو مصدر ماس يميس ميساً وميساناً أيضاً، وهو التبختر. أراد أنها تتبختر في مشيها. وقوله: لها ثنايا إلخ، هي جمع ثنية، وهي أربعٌ من مقدم الأسنان ثنتان من فوق وثنتان من تحت. وحذف التاء من أربع لأن المعدود وهي الثنية مؤنث. وأراد بالأربع الثاني الرباعيات، بفتح الراء، وتخفيف الياء، جمع رباعية على وزن ثمانية. والرباعيات: أربع أسنان، ثنتان من يمين الثنية، واحدة من فوق وواحدة من تحت وثنتان من شمالها، كذلك. والثغر: المبسم، على وزن مجلس، وهو موضع البسم. يقال: بسم بسماً من باب ضرب، إذا ضحك قليلاً. وابتسم وتبسم كذلك. والإنسان إذا تبسم فإنما يرى من أسنانه الثنايا والرباعيات، وهي ثمانية. واعلم أن أسنان الإنسان اثنتان وثلاثون سناً: أربع ثنايا. وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وأربعة نواجذ، وستة عشر ضرساً. وبعضهم يقول: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وأربعة نواجذ، وأربع ضواحك، واثنتا عشرة رحًى. وأنشد بعده: الوافر ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذودٍ *** لقد جار الزمان على عيالي على أنه يجوز إضافة العدد إلى اسم الجمع، وهو هنا الذود. وأنشده سيبويه شاهداً على تأنيث ثلاثة أنفس، وكان القياس ثلاث أنفس، لأن النفس مؤنثة؛ لكن أنث لكثرة إطلاق النفس على الشخص. ويأتي نصه بعد أربعة شواهد. ذكر الأصبهاني في الأغاني بسنده، أن الحطيئة خرج في سفر له حين عم الغلاء، ومعه امرأته أمامة، وبنته مليكة، فنزل منزلاً وسرح ذوداً له ثلاثاً، فلما قام للرواح فقد أحدها، فقال: أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ *** أصاب البكر أم حدث الليالي ونحن ثلاثةٌ وثلاث ذودٍ *** لقد جار الزمان على عيالي سرح الدابة: أطلقها لترعى. والذود من الإبل، قال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس، يقول: ما بين الثلاث إلى العشر ذود. وقال الفارابي: وهي هنا ثلاثة، وهي مؤنثة. وقال في البارع: الذود لا تكون إلا إناثاً. ويرد عليه قوله: أصاب البكر، بفتح الباء، وهو الفتي من الإبل. والرواح: المسير. والقفر: الخلاء والمفازة. وأراد بالذئب الأنيس السارق. وحدث الليالي، بفتحتين: ما يحدث فيها من المصائب، والمراد مطلق الحدث لا بقيد كونه بالليل. وأصاب: أردك، وفاعله ضمير الذئب، والبكر مفعوله. أراد: ما أدري كيف تلف البكر، أصابه أحد الذئبين، أم حدث الليالي. وقوله: ثلاث أنفس خبر مبتدأ محذوف، أي: نحن ثلاثة. والعيال، بكسر العين: أهل البيت، ومن يمونه الإنسان، الواحد عيل كجياد جمع جيد. وترجمة الحطيئة تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة. ورأيت في أمالي الزجاجي الوسطى، قال: أخبرنا الأشنانداني عن العتبي عن رجلٍ من قريش، قال: حضرت مجلس عبد الملك، وعنده بطنٌ من بني عامر بن صعصعة، وكان رجلٌ بينهم معه ابنتاه وذوده، وهن ثلاثٌ، فراح ذوده يوماً، ففقد منها واحداً، فنشده - أي: سأل عنه وطلبه - فلم ينشد، فأوفى على صخرة، وأنشأ يقول: الوافر أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ *** سطا بالبكر أم صرف الليالي وأنتم لو أراد الدهر عدو *** عديد الترب من أهلٍ ومال ونحن ثلاثةٌ وثلاث ذودٍ *** لقد جار الزمان على عيالي ولو مولى ضبابٍ عال فيهم *** لجر الدهر عن حالٍ لحال ومولاهم أبي لا عيب فيه *** وفي مولاكم بعض المقال هلم براءةً والحي ضاح *** وإلا فالوقوف على إلال دعا داعي القلوص على ثبيرٍ *** ألا أين القلوص بني قتال فطلبوا له ذوده، فردوها عليه، وغرموا له، وقالوا: اخرج عنا. انتهى. وسطا بكذا وعليه: بطش بشدة. والصرف، بالفتح: حادث الدهر. وأنتم: مبتدأ، وعديد: خبره، والجملة دليلٌ لجواب لو. والعدو: مصدر عدا عليه، أي: ظلمه، وتجاوز الحد. وعال الزمان، بالعين المهملة، أي: جار، مصدره العول. والمولى هنا: حليف القوم. وضباب، بالكسر: قبيلة. وعال هنا بمعنى افتقر، وصار ذا عيلة. وجر، بالبناء للمفعول، والدهر، نائب الفاعل. يوبخهم بأنه مولًى لهم، ولم يأخذوا بيده. وهلم هنا بمعنى احضروا. وبراءةً: مفعول له. وضاح: بارز. وإلال، بكسر الهمزة ولامين: جبل بعرفات. يعني: إن لم يحضروا للبراءة في حال كون الحي ضاحياً فنحن نقف معكم على إلال. وداعي: فاعل دعا. والقلوص: الناقة الشابة. وثبير: جبل بين مكة ومنى. وقتال، بالكسر: اسم رجل. وأنشد بعده: وهو من أبيات المفصل: الطويل ثلاث مئين للملوك وفى به *** ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم على أنه جاء ثلاث مئين في ضرورة الشعر. وقال صاحب المفصل: وقد رجع إلى القياس من قال: ثلاث مئين......... ***.............. البيت قال ابن يعيش: هذا في الشعر على القياس، لأن الشعر يفسح لهم في مراجعة الأصول المرفوضة. فهذا، وإن كان القياس، إلا أنه شاذٌّ في الاستعمال. وكذا قال ابن مالك: إذا كان مفسر الثلاثة وأخواتها مائة فيفرد، نحو: ثلثمائة. وكان القياس أن يجمع، فيقال: ثلاث مئات ومئين. إلا أن العرب لا تجمع المائة إذا أضيف إليها عددٌ إلا قليلاً، كقوله: ثلاث مئين للملوك ***.............. البيت وكلهم من سيبويه قال: يقال ثلثمائة، وكان حقه أن يقولوا: مئين ومئات، كما تقول: ثلاثة آلاف، لأن ما بين الثلاثة إلى العشرة يكون جماعة نحو: ثلاثة رجال، وعشرة رجال، ولكنهم شبهوه بأحد عشر وثلاثة عشر. انتهى. والنون من مئين منونة. قال شارح اللباب، قالوا: قتل في معركة ثلاثةٌ من ملوك العرب، وكانت دياتهم ثلثمائة بعير، فرهن رداءه بالديات الثلاث، وهو دليل شرفه. والأهاتم بنقطتين من فوق: بنو الأهتم بن سنان بن سمي. وإنما سمي بذلك لأنه كسرت ثنيته يوم الكلاب. والهتم: كسر الثنايا من أصلها. انتهى. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: قول ثلاث مئين، قيل: غرم ثلاث ديات فرهن بها رداءه. وكانت الدية مائة إبل، والمعنى: ثلثمائة إبل. وفي بها ردائي حين رهنته بها، وجلت تلك المئون المرهون بها ردائي حين أديتها، وجلت فعلتي هذه العار عن وجوه الأهاتم، وهم قوم الأهتم، وهو لقب سنان بن سمي، لأنه هتمت ثنيته يوم الكلاب. وفي البيت وصفٌ لعظم شأنه، لأنه لا يقدم على تحمل الديات والغرامات إلا السيد العظيم الشأن. ووصفٌ لنفاسة برده وغلاء ثمنه، حيث رهنه بثلثمائة من الإبل. وفيه تأكيدٌ لعظم شأنه. انتهى. وقوله: ووصفٌ لنفاسة برده إلخ، ليس رهن البردة لأنها تقاوم ثمن الإبل المذكورة، بل لأن الشريف إذا رهن شيئاً ولو كان حقيراً فلا بد من فكاكه لئلا يلزمه العار، ولو مات فكه بنوه وأقاربه. ومصداق ذلك ما قدمناه في ترجمة أبي تمام من حكاية كسرى مع حاجب بن زرارة، في الشاهد الرابع والخمسين. والبيت من قصيدة طويلة للفرزدق مذكورةٍ في المناقضات وليست رواية البيت كذا، وإنما هي: فدًى لسيوفٍ من تميمٍ وفي به *** ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم قال شارح المناقضات: يعني بالأهاتم الأهتم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. فعرف أن الأهتم ليس لقباً لسنان بن خالد، ولا سنان هو ابن سمي كما تقدم. ومشى عليه العيني. وناقضه جرير بقصيدة مثلها منها: فغيرك أدنى للخليفة عهده *** وغيرك جلى عن وجوه الأهاتم قال شارحها: قوله: فغيرك أدنى إلخ، يعني وكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود، قتل قتيبة بن مسلم فتكاً، وبعث برأسه إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان وطاعته، لأن قتيبة كان خلع سليمان. وقصة رداء الفرزدق، رواها أبو عبيدة، قال: كان الفرزدق بالمدبنة حين جاءت وقعة وكيع، وحج سليمان بن عبد الملك فبلغه بمكة وقعة وكيع بقتيبة، فخطب الناس بمسجد عرفات: فذكر غدر بني تميم ووثوبهم على سلطانهم، وإسراعهم إلى الفتن، وأنهم أصحابفتن وأهل غدر وقلة شكر. فقام إليه الفرزدق، فقال، وفتح رداءه: يا أمير المؤمنين، هذا ردائي رهنٌ لك بوفاء بني تميم، والذي بلغك كذب فقال الفرزدق في ذلك حيث جاءت بيعة وكيع لسليمان: الطويل فدًى لسيوفٍ من تميمٍ وفى به *** ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم شفين حزازات الصدور ولم تدع *** علينا مقالاً في وفاءٍ للائم أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم *** وفاءٌ وهن الشافيات الحوائم جزى الله قومي إذ أراد خفارتي *** قتيبة سعي الأفضلين الأكارم هم سمعوا يوم المحصب من منًى *** ندائي إذا التفت رفاق المواسم والحوائم: العطاش التي تحوم حول الماء. وخفض الحوائم على معنى الحسن الوجه. انتهى. وترجمة الفرزدق تقدمت في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب. وقال العيني: الرداء في البيت الشاهد بمعنى السيف. وأنشد عليه بيتاً ثم قال: ثلاث مئين مبتدأ، وجملة وفى بها: خبره. وجلت بالتشديد، بمعنى جلت بالتخفيف، من جل القوم عن البلد يجلون بالضم، إذا جلوا وخرجوا. والمعنى: كشفت ردائي حين وفت بديات الملوك الثلاثة، هم ذلك، وتمادي الحروب عن أعيان الأهاتم وكبرائهم. فافهم. هذا كلامه، وهو كلام من لم يصل إلى العنقود. ورأيت مثل البيت الشاهد في شعر قراد بن حنش الصاردي، وهو: الطويل ونحن رهنا القوس ثمت فوديت *** بألفٍ على ظهر الفزاري أقرعا بعشر مئينٍ للملوك سعى به *** ليوفي سيار بن عمرٍو فأسرعاد قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: إن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري احتمل للأسود بن المنذر دية ابنه الذي قتله الحارث بن ظالم، ألف بعير، وهي دية الملوك، ورهنه بها قوسه، فوفى. وكان هذا قبل قوس حاجب بن زرارة. وقال أبو عبيدة في مقاتل الفرسان: إن أخا سيار لأمه الحارث بن سفيان الصاردي تكفلها للأسود، فقام منها بثمانمائة ثم مات، فرهن سيار قوسه على المائتين الباقيتين لا غير، فلما مدح قراد بن حنش بني فزارة جعل الحمالة كلها لسيار. انتهى. وألف أقرع، بالقاف، أي: تام. وقراد بن حنش: شاعرٌ جاهلي من بني صاردة، بتقديم الراء على الدال، وهم فخذ من فزارة. وأنشد بعده: وحاتم الطائي وهاب المئي على أن أصله عند الأخفش: المئين، فحذفت النون لضرورة الشعر. وهذا البيت من رجز أورده أبو زيد في نوادره في موضعين: الموضع الأول قال فيه: هو لامرأة من بني عامر. والموضع الثاني قال فيه: هو لامرأة من بني عقيل، تفخر بأخوالها من اليمن، وهو: الرجز حيدة خالي ولقيطٌ وعلي *** وحاتم الطائي وهاب المئي ولم يكن كخالك العبد الدعي *** يأكل أزمان الهزال والسني هنات عيرٍ ميت غير ذكي قوله: هنات عيرٍ ميت، تعني ذكر العير، فكنت عنه لأنها امرأة. انتهى. وقال في الموضع الأول: حذف التنوين من حاتم الطائي لالتقاء الساكنين. وقال أبو علي فيما كتبه عليه: خففت ياءات النسب كلها للقافية. فأما المئي والسني فإنها جمعٌ على فعول، ثم قلبت الواوات ياءات فصار مئي وسنيٌّ، ثم خفف بأن حذف إحدى الياءين، كما فعل في علي والدعي، فبقي المئي والسني. انتهى. وقال أبو بكر بن السراج في الأصول: ذكر الأخفش سنين ومئين، فقال: فيهما قولان. ثم اختار أحدهما، وهو الصحيح عندنا، فقال: وأما سنين ومئين في قول من رفع النون فهو فعيل، ولكن كسر الفاء ككسرة ما بعدها، وأجمعوا كلهم على كسرها، فصارت النون في آخر سنين بدلاً من الواو، لأن أصلها من الواو. وفي مئين النون بدل من الياء، لأن أصلها من الياء، كأنها كانت مئي؛ وقد قالوها في بعض الشعر ساكنةً، ولا أراهم أرادوا إلا التثقيل ثم اضطروا فخففوا، لأنهم لو أرادوا التخفيف لصار الاسم على فعل، وهذا بناءٌ قليل. قال الشاعر: حيدة خالي ولقيطٌ وعلي *** وحاتم الطائي وهاب المئي وأما قولهم: ثلاث مئي، فإنهم أرادوا بمئي جماعة المائة، كتمرة وتمر، تقول فيه: رأيت مئياً مثل معياً. وقولهم: رأيت مئاً مثل معاً خطأٌ، لأن المئي إنما جاءت في الشعر. فنقول: ليس لك أن تدعي أن هذه الياء للإطلاق، وأنت لا تجد ما هو على حرفين يكون جماعةً، ويكون واحدة بالهاء، نحو تمرة وتمر. قال أبو الحسن: وهو مذهب يونس، يعني: بالياء. قال: والقياس الجيد عندنا أن يكون سنين فعلينا مثل غسلين محذوفة، ويكون قول الشاعر: سني والمئي مرخماً. فإن قلت: إن فعلينا لم يجئ في الجمع، وقد جاء فعيل نحو: كليب وعبيد، وقد جاء فيه ما لزمه فعيل مكسور الفاء، نحو: مئين، فإن من الجمع أشياء لم يجئ مثلها إلا بغير اطرد، نحو: سفر، وقد جاء منه ما ليس له نظير، نحو: عدًى. وأنت إذا جعلت سنيناً فعيلاً جعلت النون بدلاً، والبدل لا يقاس عليه ولا يطرد، ومخالفة الجمع للواحد قد كثر، فأن تحمله على ما لا بدل فيه أولى. وليس يجوز أن تقول: إن الياء في سنين أصلية، وقد وجدتها زائدة في هذا البناء بعينه لما قلت: فعلين وفعلون، يعني: أنك تقول: سنين يا هذا، وسنون. ثم قال: قوله: وحاتم الطائي وهاب المئي *** يأكل أزمان الهزال والسني فهذا إما أن يكون رخم سنين ومئين، وإما أن يكون بنى سنة ومائة على سني ومئي، وكان أصلهما سنو ومئو، فلما حذف النون ورخم بقي الاسم آخره واوٌ قبلها ضمة، فلما أراد أن يجعله اسماً كالأسماء التي لم يحذف منها شيء قلب الواو ياءً وكسر ما قبلها، لأنه ليس في الأسماء ما آخره واوٌ قبلها ضمة. فمتى وقع من هذا شيءٌ قلبت الواو ياء. وقوله: حيدة خالي مبتدأٌ وخبر. وحيدة، بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية. ولقيط، بفتح اللام معطوف على حيدة. وكذا عليٌّ وحاتم، فيكون أخوالها أربعة. وروى هذين البيتين فقط الأخفش سعيد بن مسعدة في كتاب المعاياة لرجل من طيئ، وذكر خالداً بدل حاتم. وقوله: ولم يكن كخالك إلخ، الكاف مفتوحة لأنها خاطبت رجلاً. والدي: غير خالص النسب. وقوله: يأكل أزمان إلخ، هذا بيانٌ لعدم المشابهة بين خالها وبينه. وأزمان: ظرفٌ ليأكل، وهو جمع زمان. والهزال، بالضم: الضعف من الجوع. والسني: مرخم سنين جمع سنة، بمعنى الجدب والقحط. وهنات مفعول يأكل، منصوب بالكسرة، جمع هنة مؤنث هنٍ، وهو كناية عما يستقبح التصريح باسمه، وهو هنا أير الحمار. والعير، بفتح العين المهملة: الحمار الوحشي والأهلي أيضاً، والأنثى عيرة. وميت: وصف عير، وكذلك غير ذكي. والذكي: المذبوح، خففت الياء الضرورة. وقال أبو الحسن عليٌّ الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد: قال أبو سعيد: وروى الرياشي مرةً أخرى بدل البيت الأخير: هنات عير ميتةٍ غير ذكي قال أبو الحسن: الأول أحب إلي، وهو أجود. أبو زيد هنات عير ميتٍ تعني ذكر العير فكنت عنه لأنها امرأة. والميتة، بفتح الميم يكون نعتاً للشيء، فإذا كسرت كانت الشيء بعينه. قال أبو الحسن: الميتة تكون مصدراً كقولك: القعدة والركبة وما أشبههما، وتكون نعتاً كقولك: مررت بفرس ميتة فتنعته بالمصدر، كما تقول: مررت برجل عدل، ثم يصير اسماً غالباً كأجدل وما أشبهه، فتقول: هذا ميتة، كما تقول: هذا أجدلٌ. والميتة، بكسر الميم: الحال التي يكون عليها الشيء، كقولك: كريم الميتة، وحسن الصرعة. والكسر مطرد في الحالات كلها، كما أن الفتح مطرد في المرة. هذا الحق عندي الذي لا يجوز غيره. انتهى. تتمة زعم العيني أن البيت الشاهد من هذا الرجز، وهو: الرجز إني لدى الحرب رخي اللبب *** عند تناديهم بهال وهب أمهتي خندف والياس أبي *** وحاتم الطائي وهاب المئي وهذا لا أصل له، فإن الرجز عنده لقصي بن كلاب، أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم. وكيف يكون حاتم الطائي أباً لقصيٍّ مع أنه بعده بمدة طويلة. وقافية الرجز أيضاً تأباه، وليس في هذا اشتباه. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: الوافر إذا عاش الفتى مائتين عام *** فقد ذهب اللذاذة والفتاء على أنه قد يفرد مميز المائة وينصب، كما في البيت. وأورده سيبويه في موضعين: الأول: في باب الصفة المشبهة بالفاعل وذكر أسماء العدد وعملها في الأسماء التي تبينها بالجر والنصب. حتى انتهى إلى قوله: فإذا بلغت العقد تركت التنوين والنون وأضفت، وجعلت الذي يعمل فيه، وتبين به العدد من أي صنف هو، واحداً، كما فعلت ذلك فيما نونت. إلا أنك تدخل فيه الألف واللام، لأن الأول يكون به معرفة ولا يكون المنون به معرفة. وذلك قولك: مائة درهم، ومائة الدرهم. وكذلك إن ضاعفته، فقلت: مائتا الدرهم ومائتا الدينار، وكذلك الذي بعده: واحداً كان ومثنى. وذلك قولك: ألف درهم وألفا درهم. وقد جاء في الشعر بعض هذا منوناً. قال الربيع بن ضبع الفزاري: إذا عاش الفتى مائتين عاماً انتهى. والموضع الثاني باب كم، قال فيه: لأنه لو جاز إذا اضطر شاعر فقال: ثلاثة أثواباً، كان معناه معنى ثلاثة أثواب، قال الشاعر: إذا عاش الفتى مائتين عاماً انتهى. قال الأعلم: الشاهد فيه إثبات النون في مائتين في ضرورة، ونصب ما بعدها، وكان الوجه حذفها، وخفض ما بعدها، إلا أنها شبهت للضرورة بالعشرين. ونحوها مما يثبت نونه وينصب ما بعده. وصف في البيت هرمه، وذهاب مروءته ولذته، وكان قد عمر نيفاً على المائتين فيما يروى. وروى: أودى بدل ذهب، بمعنى انقطع وهلك. والفتاء: مصدر لفتى. وروى: تسعين عاماً، ولا ضرورة فيه على هذا. انتهى. ورواية: تسعين لا أصل لها كما يعلم مما يأتي. وروي: التخيل بدل اللذاذة. والتخيل: التكبر وعجب المرء بنفسه. وروى بدله: المسرة والمروءة أيضاً. والفتى: الشاب، وقد فتي بالكسر يفتى بالفتح فتًى، فهو فتي السن بين الفتاء. قال الجواليقي: والفتاء مصدرٌ لفتي. والبيت آخر أبيات ستة للربيع بن ضبع الفزاري، وهي: الوافر ألا أبلغ بني بني ربيعٍ *** فأنذال البنين لكم فداء بأني قد كبرت ودق عظمي *** فلا تشغلكم عني النساء فإن كنائني لنساء صدقٍ *** وما ألى بني وما أساؤوا إذا كان الشتاء فأدفئوني *** فإن الشيخ يهدمه الشتاء فأما حين يذهب كل قرٍّ *** فسربالٌ خفيفٌ ورداء إذا عاش الفتى مائتين عام ***.............. البيت قوله: فأنذال البنين لكم فداء جملة دعائية معترضة. وروى الجواليقي في شرح أدب الكاتب: فأشرار البنين، قال: وصفهم بالبر. وقوله: بأني قد كبرت الباء متعلقة بقوله: أبلغ في البيت المتقدم. وكبر من باب تعب. ودق، أي: صار دقيقاً يدق من باب ضرب دقة: خلاف غلظ، فهو دقيق. وروى: ورق جلدي، أي: صار رقيقاً بالراء، من الرقة. ولا ناهية. وشغل من باب نفع. وعني، أي: عن تفقد أموري وإصلاحها. والكنائن: جمع كنة بالفتح والتشديد، وهي امرأة الابن والأخ، يريد: أنهن نعم النساء. وألى بتشديد اللام، أي: ما أبطؤوا وما قصروا. وهو من ألوت. يقول: ما أبطأ بني عن فعل المكارم وما يجب عليهم من القيام بأمري. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: معنى ألى قصر في بري. يقال: ألا يألو، فإذا أكثرت الفعل، قلت: ألى يؤلي تألية. انتهى. وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين: حدثنا أبو الأسود النوشجاني عن العمري عن أبي عمرو الشيباني، قال: سألني القاسم بن معن عن قوله: وما ألى بني وما أساؤوا قلت: أبطؤوا. فقال: ما تركت في المسألة شيئاً. ونقل صاحب الصحاح هذه الحكاية مجملة، ثم قال أبو حاتم: والتألية التقصير، ومن قال: وما آلى بالمد، فمعناه ما أقسموا، أي: لا يبروني. انتهى. وقال السيد المرتضى في أماليه: ألى بالتشديد هو الصحيح، ومعناه: قصر في قول بعضهم. واللغة الأخرى ألا مخففاً، يقال: ألا الرجل يألو، إذا قصر وفتر. فأما آلى بالمد في البيت فلا وجه له، لأنه بمعنى حلف، ولا معنى له ها هنا. انتهى. وقوله: إذا كان الشتاء إلخ، هذا البيت من أبيات الجمل وغيره. ويروى: إذا جاء الشتاء. وأدفئوني: سخنوني لأدفأ. يقول: إذا دخل فصل الشتاء فدثروني بالثياب. فإن هذا الفصل يضعف قوة الشيخ ويهدم عمره، ويخاف عليه فيه. ودل على أنه يريد أن يدفأ بالثياب لا بغير ذلك، قوله بعد البيت: فأما حين يذهب كل قرٌّ . والشتاء في غير هذا الموضع، يراد به الضيق، وشظف العيش، كما قال الحطيئة: الوافر إذا نزل الشتاء بدار قومٍ *** تجنب جار بيتهم الشتاء إذ الشتاء نفسه لا يقدر أحدٌ أن يمتنع منه، وإنما أراد أنهم يواسون من جاورهم، فيتجنبه الضيق وسوء الحال والمعيشة. ويهدمه، من هدمت البناء، من باب ضرب، إذا أسقطته فانهدم. وروى: يهرمه بالراء، أي: يضعفه، يقال: هرم الرجل من باب تعب، إذا كبر وضعف. والقر، بضم القاف: البرد. والسربال، بالكسر: القميص. قال الجواليقي: وأو: بمعنى الواو. وقوله: إذا عاش الفتى إلخ، نصب عاماً على التمييز، كما ينصب المفرد بعد العشرين وما فوقها. ولما صرفه عن الإضافة نصبه على التمييز وأعمل فيه مائتين، ونصب مائتين على الظرف. قال ابن المستوفي: نسبت هذه الأبيات ليزيد بن ضبة. والرواية: إذا عاش الفتى ستين عاماً فلا ضرورة ولا شاهد. انتهى. وقول شارح اللباب: وروي: إذا عاش الفتى خمسين عاماً ، رواية واهية، فإن ابن الخمسين لا يبلغ من الضعف هذه الرتبة. والصحيح أن الأبيات للربيع بن ضبع الفزاري، كما رواها له جمٌّ غفير، وهو من المعمرين، أورده أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين، وقال: قالوا: وكان من أطول من كان قبل الإسلام عمراً: ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض ابن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة، عاش أربعين وثلثمائة سنة ولم يسلم. وقال لما بلغ مائتي سنة وأربعين سنة: المنسرح أصبح مني الشباب قد حسر *** إن ينأ عني فقد ثوى عصرا ودعنا قبل أن نودعه *** لما قضى من جماعنا وطرا ها أنا ذا آمل الخلود وقد *** أدرك عقلي ومولدي حجرا أبا امرئ القيس هل سمعت به *** هيهات هيهات طال ذا عمرا أصبحت لا أحمل السلاح ول *** أملك رأس البعير إذا نفر والذئب أخشاه إن مررت به *** وحدي وأخشى الرياح والمطرا من بعد ما قوةٍ أسر به *** أصبحت شيخاً أعالج الكبرا وقال لما بلغ مائتي سنة: ألا أبلغ بني بني ربيعٍ *** فأشرار البنين لكم فداء الأبيات المتقدمة. هذا ما أورده أبو حاتم. وأورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكنه أن يسمع منه، فلم ينقل ذلك. وقال: هو جاهلي، ذكر ابن هشام في التيجان أنه كبر وخرف وأدرك الإسلام. ويقال: إنه عاش ثلثمائة سنة، منها ستون في الإسلام، ويقال: لم يسلم. انتهى. وذكره السيد المرتضى في فصل المعمرين من أماليه، قال: ومن المعمرين: الربيع بن ضبع الفزاري، يقال: إنه بقي إلى أيام بني أمية وروي أنه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا ربيع، أخبرني عما أدركت من العمر والمدى، ورأيت من الخطوب الماضية. فقال: أنا الذي أقول: ها أنا ذا آمل الخلود وقد *** أدرك عقلي ومولدي حجرا فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك، وأنا صبيٌّ. قال: وأنا القائل: إذا عاش الفتى مائتين عام *** فقد ذهب اللذاذة والفتاء قال: وقد رويت هذا من شعرك، وأنا غلام، وأبيك يا ربيع لقد طار بك جدٌّ غير عاثر، ففصل لي عمرك. قال: عشت مائتي سنة في فترة عيسى عليه السلام، وعشراً ومائة سنة في الجاهلية، وستين سنةً في الإسلام. قال: فأخبرني: عن فتيةٍ من قريش متواطئي الأسماء. قال: سل عن أيهم شئت. قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس. قال: فهمٌ وعلم، وعطاءٌ جذم، ومقرًى ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر. قال: حلم وعلم، وطول كظم، وبعدٌ من الظلم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر. قال: ريحانة طيبٌ ريحها، لينٌ مسها، قليل على المسلمين ضرها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزبير. قال: جبلٌ وعر، ينحدر منه الصخر. قال: لله درك يا ربيع، ما أعرفك بهم؟ قال: قرب جواري، وكثرة استخباري. قال السيد رضي الله عنه: إن كان هذا الخبر صحيحاً فيشبه أن يكون سؤال عبد الملك إنما كان في أيام معاوية، لا في ولايته، لأن الربيع يقول في الخبر: عشت في الإسلام ستين سنة، وعبد الملك ولي في سنة خمس وستين من الهجرة. فإن كان صحيحاً فلا بد مما ذكرناه. فقد روي أن الربيع أدرك أيام معاوية. ويقال: إن الربيع لما بلغ مائتي سنة، قال: ألا أبلغ بني بني ربيعٍ ***........ الأبيات المتقدمة وقوله: عطاءٌ جذم ، أي: سريع. وكل شيء تسرعت به فقد جذمته. وفي الحديث: إذا أذنت فرتل، وإذا أقمت فاجذم ، أي: أسرع. والمقرى: الإناء الذي يقرى فيه الضيف. انتهى ما ذكره السيد المرتضى. وقال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: روى الرواة أن الربيع بن ضبع عاش حتى أدرك الإسلام، وأنه قدم الشام على معاوية بن أبي سفيان، ومعه حفداته. ودخل حفيده على معاوية، فقال له: اقعد با شيخ. فقال له: وكيف يقعد من جده بالباب؟ فقال له معاوية: لعلك من ولد الربيع بن ضبع؟ فقال: أجل. فأمره بالدخول، فلما دخل سأله معاوية عن سنه، فقال: أقفر من مية الجريب إلى الز *** جين إلا الظباء والبقرا كأنها درةٌ منعمةٌ *** من نسوةٍ كن قبلها دررا أصبح مني الشباب مبتكر *** إن ينأ عني فقد ثوى عصرا إلى آخر الأبيات المتقدمة. فقرأ معاوية: ومن نعمره ننكسه في الخلق . انتهى. وقد أورد أبو زيد في نوادره هذه الأبيات كذا. وقال أبو حاتم: الزخين، بالخاء المعجمة. وقال الأخفش: الذي صح عندنا بالجيم. وقوله: أصبح مني الشباب إلخ، حسر البعير: أعيا. وروى: مبتكراً اسم فاعل من الابتكار. وإن ينأ، أي: يبعد. وثوى: أقام. وعسرا، بضمتين، أي: دهراً. وقوله: فارقنا ، أي: الشباب. وهذا البيت أورده ابن هشام في المغني على أن المراد: أراد فراقنا. قال ابن جني في المحتسب: ظاهر هذا البيت إلى التناقض، لأنا إذا فارقنا فقد فارقناه لا محالة، فما معنى قوله من بعد: قبل أن نفارقه . وهو عندنا على إقامة المسبب مقام السبب، وهو وضع المفارقة موضع الإرادة؛ لقرب أحدهما من الآخر. وروى بدله: ودعنا قبل أن نودعه والجماع: الاجتماع. والوطر: الحاجة. وهاتان الكلمتان هنا قبيحتان. قال الدماميني في الحاشية الهندية على المغني: وقع في حماسة أبي تمام قول ربيع بن زياد يرثي مالك بن زهير العبسي: الكامل من كان مسروراً بمقتل مالكٍ *** فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسراً يندبه *** بالصبح قبل تبلج الأسحار قال المرزوقي: إني لأتعجب من أبي تمام مع تكلفة رم جوانب ما اختاره من الأبيات كيف ترك قوله: فليأت نسوتنا وهي لفظةٌ شنيعة جداً. وأصلحه المرزوقي، بقوله: فليأت ساحتنا . قال التفتازاني: وأنا أتعجب من جار الله كيف لم يورده على هذا الوجه، وحافظ على لفظ الشاعر دراية، مع زعمه أن القراء يقرؤون القرآن برأيهم. وأنا أتعجب من إنشاد صاحب المغني لمثل هذا البيت، أورده هنا مع أنه أشنع من بيت الحماسة وأفحش. ولقد كان في غنية بما أورده من الكتاب والسنة. قال ابن نباتة في مطلع الفوائد ومجمع الفرائد: في قوله: بالصبح قبل تبلج الأسحار سؤالٌ لطيف، وهو أن الصبح لا يكون إلا بعد تبلج الأسحار، فكيف يقول قبله؟ والجواب: أنه أراد بقوله: يندبه بالصبح، أنهن يصفنه بالخلال المضيئة، والمناقب الواضحة، التي هي كالصبح. انتهى. وقوله: أصبحت لا أحمل السلاح إلخ، أورد في التفسيرين عند قوله تعالى: {فهم لها مالكون} على أن الملك الضبط والتسخير، كما في قوله: لا أملك رأس البعير، أي: لا أضبطه. وقوله: والذئب أخشاه إلخ أورده سيبويه في كتابه والزجاجي في جمله، وابن هشام في شرح الألفية، باب الاشتغال على أن الذئب منصوب بفعلٍ يفسره أخشاه. يقول: قد ضعفت قواه عن حمل سلاح الحرب، وصار في حال من لا يقدر على تصريف البعير إذا ركبه، ويخاف الذئب أن يعدو عليه، ويتأذى بالريح إذا هبت، والأمطار إذا نزلت. وحجر، بضم الحاء المهملة والجيم هو أبو امرئ القيس الشاعر. وقوله: طال ذا عمرا هو تعجب. أي: ما أطول هذا العمر. وقوله: من بعد ما قوة إلخ، ما زائدة. وأعالج، أي: أقاسي أمراض الكبر. وأنشد بعده:
|